فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل المعنى: ما أريد منهم أن يرزقوا أحدًا من خلقي، ولا أن يرزقوا أنفسهم، ولا يطعموا أحدًا من خلقي، ولا يطعموا أنفسهم، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله، فمن أطعم عيال الله، فهو كمن أطعمه.
وهذا كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: عبدي استطعمتك فلم تطعمني»، أي: لم تطعم عبادي، و{من} في قوله: {مِن رّزْقِ} زائدة لتأكيد العموم.
ثم بيّن سبحانه أنه هو الرزاق لا غيره، فقال: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} لا رزاق سواه، ولا معطي غيره، فهو الذي يرزق مخلوقاته، ويقوم بما يصلحهم فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة {ذُو القوة المتين} ارتفاع المتين على أنه وصف للرزاق، أو لذو، أو خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر.
قرأ الجمهور: {الرزاق} وقرأ ابن محيصن: (الرازق) وقرأ الجمهور {المتين} بالرفع، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش بالجرّ صفة للقوّة، والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي.
قال الفراء: كان حقه المتينة فذكرها؛ لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل، يقال: حبل متين، أي: محكم الفتل، ومعنى المتين: الشديد القوّة هنا {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم} أي: ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، فإن لهم ذنوبًا، أي: نصيبًا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السابقة.
قال ابن الأعرابي: يقال: يوم ذنوب، أي: طويل الشرّ لا ينقضي، وأصل الذنوب في اللغة: الدلو العظيمة، ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشيء قول الشاعر:
لعمرك والمنايا طارقات ** لكلّ بني أب منها ذنوب

وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبير، فهو تمثيل جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب، قاله ابن قتيبة {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} أي: لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب، كما في قولهم: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الأعراف: 70] {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} قيل: هو يوم القيامة، وقيل: يوم بدر، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر في قوله: {فتولى بِرُكْنِهِ} عن ابن عباس قال: بقومه.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في قوله: {الريح العقيم} قال: الشديدة التي لا تلقح شيئًا.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب، وفي قوله: {إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} قال: كالشيء الهالك.
وأخرج الفريابي، وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال: الريح العقيم: النكباء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {والسماء بنيناها بِأَيْدٍ} قال: بقوّة.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر عنه في قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} قال: أمره الله أن يتولى عنهم ليعذبهم، وعذر محمدًا صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين}، فنسختها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قال: ليقرّوا بالعبودية طوعًا أو كرهًا.
وأخرج ابن المنذر عنه في الآية قال: على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي، وشقوتي وسعادتي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضًا في قوله: {المتين} يقول: الشديد.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {ذَنُوبًا} قال: دلوًا. اهـ.

.قال القاسمي:

سورة الذاريات:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} يعني: الرياح التي تذرو البخارات ذروًا، أي: نوعًا من الذرو ليعقدها سُحبًا. أو النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد، مجازًا شبه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح. أو الأسباب التي تذري الخلائق من الملائكة وغيرهم، وهو استعارة أيضًا شبهت الأشياء المعدة للبروز من كمون العدم، بالرياح المفرقة للحبوب ونحوها.
{وَالذَّارِيَاتِ} اسم فاعل ذرا المعتل بمعنى فرّق وبدَّد ما رفعه عن مكانه. ويقال: أذرى أيضًا. وأما ذرَأ المهموز فبمعنى أنشأ وأوجد.
{فَالْحَامِلَاتِ وِقرًا}.
{فَالْحَامِلَاتِ وِقرًا} أي: السُّحب الحاملة للأمطار المنبتة للزروع والأشجار لإفادة الحبوب والثمار. كما قال زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمتُ نفسي لمن أسْلَمَتْ ** لهُ المزنُ تحمل عذْبًا زُلالا

أو الرياح الحاملة للسحاب، أو النساء الحوامل، أو أسباب ذلك.
والوِقر بسكر الواو، كالحِمل وزنًا ومعنى. وقرئ بفتح الواو على أنه مصدر سمي به المحمول.
{فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [3- 4].
{فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} أي: السُّفن الجارية في البحر سهلًا، أو الرياح الجارية في مهابِّها، أو الكواكب التي تجري في منازلها. و{يُسْرًا} صفة مصدر محذوف، أو جريًا ذا يُسرٍ.
{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} أي: الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة، أو الرياح يقسمن الأمطار بتصريف الرياح.
تنبيهات:
الأول: ذكرنا أن هذه الأمور الأربعة يجوز أن تكون أمورًا متباينة، وأن تكون أمرًا له أربعة اعتبارات. والأول هو المأثور عن علي رضي الله عنه: أن الذاريات هي الرياح، والحاملات هي السحاب، والجاريات هي السفن، والمقسمات هي الملائكة. واختار بعضهم في الجاريات أنها الكواكب؛ ليكون ذلك ترقيًا من الأدنى إلى الأعلى، فالرياح فوقها السحاب، والنجوم فوق ذلك، والملائكة فوق الجميع، تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية.
واستظهر الرازي أن الأقرب أن تكون صفات أربع للرياح، وأطال في ذلك.
واللفظ متسع بجوهره للكل، والله أعلم.
الثاني: فائدة الفاء إن قيل: إنها صفات للرياح، فلبيان ترتيب الأمور في الوجود؛ فإن الذاريات تنشئ السحاب، فتقسم الأمطار على الأقطار. وإن قيل: إنها أمور أربعة، فالفاء للترتيب الذكريّ أو الرتبيّ.
الثالث: ذكر الرازي في الحكمة في القسم وجوهًا:
أحدها: أن الكفار كانوا في بعض الأوقات يعترفون بكون النبي صلى الله عليه وسلم غالبًا في إقامة الدليل، وكانوا ينسبونه إلى المجادلة، وإلى أنه عارف في نفسه بفساد ما يقوله، وأنه يغلبنا بقوة الجدل لا بصدق المقال. كما أن بعض الناس إذا أقام عليه الخصم الدليلَ ولم يبقِ له حجة، يقول: إنه غلبني لعلمه بطريق الجدل، وعجزي عن ذلك. وهو يعلم في نفسه أن الحق بيدي، فلا يبقى للمتكلم المبرهن طريق غير اليمين، فيقول: واللهِ إن الأمر كما أقول، ولا أجادلك بالباطل. وذلك لأنه لو سلك طريقًا آخر من ذكر دليل آخر، فإذا تمّ الدليل الآخر يقول الخصم فيه مثل ما قال في الأول، إن ذلك تقرير بقوة علم الجدل، فلا يبقى إلا السكوت، أو التمسك بالإيمان، وترك إقامة البرهان.
ثانيها: أن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة، وتعتقد أنها تدع الديارَ بلاقعَ. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم «أكثر من الأيمان بكل شريف»، ولم يزده ذلك إلا رفعة وثباتًا. وكان يحصل لهم العلم بأنه لا يحلف بها كاذبًا، وإلا لأصابه شؤم الأيمان، ولناله المكروه في بعض الأزمان.
ثالثها: أن الأيمان التي أقسم الله تعالى بها كلُّها دلائل أخرجها في صورة الأيمان، مثاله قول القائل لمنعمه: وحق نعمتِك الكثيرة إني لا أزال أشكرك. فيذكر النعم، وهي سبب مفيد لدوام الشكر، ويسلك مسلك كذلك هذه الأشياء كلها دليل على قدرة الله تعالى على الإعادة.
فإن قيل: فلِمَ أخرجها مخرج الأيمان؟ نقول: لأن المتكلم إذا شرع في أول كلامه بحلف يعلم السامع أنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم، فيصغي إليه أكثر من أن يصغي إليه حيث يعلم أن الكلام ليس بمعتبر؛ فبدأ بالحلف وأدرج الدليل في صورة اليمين، حيث أقبل القول على سماعه، فخرج لهم البرهان المبين والتبيان المتين في صورة اليمين. انتهى.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [5- 6].
وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} جواب القسم، وما موصولة ومصدرية. والموعود هو قيام الساعة، وبعث الموتى من قبورهم. وصادق بمعنى صدْق؛ فوضع الاسم مكان المصدر، أو هو من باب: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21].
{وَإِنَّ الدِّينَ} أي: الجزاء على الأعمال إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر {لَوَاقِعٌ} أي: لحاصل. قال قتادة: وذلك يوم القيامة، يوم يَدين اللهُ العباد بأعمالهم.
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قول مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [7- 9].
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} أي: الطرق المختلفة التي هي دوائر سير الكواكب. و{الْحُبُكِ} أصل معناها ما يرى كالطريق في الرمل والماء، إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشَّعر: آثار تثنّيه وتكسّره. والحُبُك بضمتين جمع حِباك، كمثال ومثل وكتاب وكتب، أو حبيكة كطريقة وطرق. قال زهير يصف غديرًا:
مُكللٌ بأصولِ الَّنجمِ تَنْسِجُهُ ** ريحٌ خَريقٌ لضاحي مَائهِ حُبُكُ

ويقال: ما أملح حباك هذه الحمامة! وهو الخط الأسود على جناحها.
وعن الحسن: {ذَاتِ الْحُبُكِ} أي: النجوم قال: حُبِكَت بالخَلْق الحسن: حبكت بالنجوم؛ وذلك لأنها تزين السماء، كما يزين الثوب الموشَّى تحبيكه، فشبهت النجوم بطرائق الوشي مجازًا بالاستعارة.
وقال بعض علماء الفلك: الحبك جمع حبيكة، بمعنى محبوكة، أي: مربوطة. فمعنى: {ذَاتِ الْحُبُكِ} ذات المجاميع من الكواكب المربوط بعضها ببعض بحبال من الجاذبية، فإن كل حبيكة مجموعة من الكواكب المتجاذبة؛ فالآية الشريفة نصٌّ على تعدد المجاميع وعلى الجاذبية التي يزعم الإفرنج أنهم مكتشفوها؛ وعليه فهي إحدى معجزات القرآن العلمية. انتهى.
{إِنَّكُمْ لَفِي قول مُّخْتَلِفٍ} أي: متخالف متناقض. قال ابن زيد: يتخرَّصون يقولون: هذا سحر، ويقولون: {إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25].
{يُؤْفَكُ} أي: يصرف {عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي: صرف عن الحق الصريح الصَّرف التام؛ إذ لا صرف أشد منه.
وقد ذكر القاضي في مناسبة المقسم به للمقسم عليه، هو تشبيه أقوالهم في اختلافها، وتنافي أغراضها بالطرائق للسماوات في تباعدها، واختلاف غاياتها.
ثم أشار أنهم لم يؤفكوا لإتباعهم الدلائل، بل لأخذهم بالخرص والتخمين، بقوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [10- 13].
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} أي: لُعِن الآخذون بالتخمين، مع ترك دلائل اليقين.
{الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ} أي: في جهل يَغمرهم عن وجوب اتباع الدلائل القاطعة وترك الشبهات الواهية {سَاهُونَ} أي: غافلون عما أتاهم وعما نزل إليهم، بالانهماك في اللذات البدنية، واستئثار الحظوظ العاجلة.
{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أي: متى يوم الجزاء، ويوم يدين اللهُ العباد بأعمالهم.
{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي: يحرقون، وأصل الفتنة إذابة الجوهر ليظهر غشه، ثم استعمل في التعذيب والإحراق ونحوه.
قال القاضي: جواب للسؤال، أي: يقع يوم هم على النار يفتنون، أو هو يوم هم. إلخ.
وفتح {يَوْمَ} لإضافته إلى غير متمكن، ويدل عليه أنه قرئ بالرفع.
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [14].
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي: مقولا لهم: ذوقوا عذابكم الذي طلبتموهُ، بل الذي استعجلتموهُ قبل وقته، كما قال: {هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي: حصوله في الدنيا.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون ٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [15- 19].
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} أي: الذين اتقوا الله بطاعته واجتنابِ معاصيه في الدنيا، وبتجنب القول بالخَرص والتخمين في الأمور الاعتقادية {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون ٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} قال ابن جرير: أي: عاملين ما أمرهم به ربهم، مؤدين فرائضه. وقال غيرهُ: أي: قابلين لما أعطاهم من النعيم الأخرويّ، راضين به.
وهذا هو الوجه. ولذا قال ابن كثير: والذي فسر به ابن جرير فيه نظر؛ لأن قوله تبارك وتعالى: {آخِذِينَ} حال من قوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} فالمتقون حال كونهم في الجنات والعيون آخذين ما آتاهم ربُّهم، أي: من النعيم والسرور والغبطة.
ثم أشار إلى سر استحقاقهم لذلك بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني: في الدنيا {مُحْسِنِينَ} أي: قد أحسنوا أعمالهم لغلبة محبة الله على قلوبهم بظهور آثارها في أفعالهم وأقوالهم، كما بينه بقوله سبحانه: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أي: كانوا يهجعون هجوعًا قليلًا؛ لتقوى نفوسُهم على عبادته تعالى بنشاط.
روى ابن جرير عن أنس في الآية: أنهم كانوا يصلّون ما بين هاتين الصلاتين ما بين المغرب والعشاء. وعن محمد بن عليّ: كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة.
وعن مطرِّف: قلَّ ليلة أتت عليهم إلا صلوا فيها من أولها أو من وسطها.
وعن الحسن قال: لا ينامون من الليل إلا أقله، كابدوا قيام الليل.
وقرأ الأحنف بن قيس هذه الآية فقال: لست من أهل هذه الآية.
وعن الضحاك: أن الوقف على قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا} أي: أن المحسنين كانوا قليلًا، ثم ابتدئ فقيل: {مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} و{مَا} نافية أي: لا يهجعون.
قال ابن كثير: هذا القول فيه بعد وتعسُّف.
لطيفة:
في هذه الجملة الكريمة مبالغات في وصف هؤلاء بقلة النوم وترك الاستراحة، وذلك ذكر القليل. والليل الذي هو وقت النوم، والهجوع الذي هو الخفيف من النوم، وزيادة ما؛ لأنها تدل على القلة.
وبالجملة ففي الآية استحباب قيام الليل، وذمُّ نومه كله، والأحاديث على ذلك كثيرة شهيرة.